السبت، 8 نوفمبر 2008

الرفاعيون ركيزة أساسية في بناء السودان

كتب المهندس مأمون محمد طيب
مقدمة :لا يخفى على المتابع العادي الوضع المعقد والمضطرب الذي يعيشه الوطن السودان وهو يمر بمرحلة مخاض نحو تحولات هيكلية كبرى قد تعصف بالكثير من قواعد سادت النشاط السياسي منذ الاستقلال وتمتد لتشمل مختلف مظاهر الحياة الأخرى. تتمثل أبرز صور هذا الوضع في الإستقطابات الحادة المتعددة عرقية وجهوية وأيدلوجية إضافة للتداخلات الخارجية التي لا تخطئها العين مع ضعف شديد للنظام الحاكم.ونذر تشتت وانقسامات تعصف وتهدد وجوده كدولة واحدة.هذا الوضع يدعو أهل وسط السودان القاعدة الكبيرة والعريضة المهمشة والمبعدة عن مراكز التأثير واتخاذ القرار منذ سقوط المملكة السنارية على يد محمد على باشا وحتى الآن الى أخذ زمام المبادرة والتطلع لدورهم الواجب والفاعل في توجيه الأحداث.شيء من التاريخ:أفرزت هجرات المسلمين المتتالية الى السودان تجمعات سكانية متنامية بتقسيمات قبلية صرفة و متداخلة مع بعضها البعض أحيانا فكان قيام مملكة سنار (السلطنة الزرقاء / الفونج) تتويجاً لهذه الهجرات المتعاقبة ونتيجة الاستيطان والتزاوج بين أهل البلد الأصليين والقبائل العربية الوافدة.إن كان لتجمع الفونج بأعلى النيل الأزرق الفضل في تأسيس أول لبنة لمملكة سنار فقد كان لمجموع قبائل رفاعة في السودان الوسيط شرف المساهمة الفاعلة والشراكة المؤثرة في تأسيس هذا الكيان الذي يعتبر بحق نواة الدولة السودانية التي تضمهم اليوم مع سائر المجموعات السكانية الأخرى. ظل هذا الدور في قيادة العمل السياسي موزعاً بين هاتين المجموعتين في إدارة دفة الحكم في المملكة السنارية تبسط السلطة فيه على ما تحت يدها من أقاليم ويمتد هذا التأثير لما جاورها من ممالك ومشيخات مثلت لها قطب الرحى الذي تدور حوله دوران الكواكب حول شمسها.مثل دخول جيوش محمد على باشا نهاية هذه الدولة ونهاية سيطرة المجموعات السكانية التي حكمتها ردحاً من الزمان على الشأن السياسي فى المملكة وفيما تلاها من السودان الحالي وانزوت الى الهامش وحلت محلها عناصر جديدة تمثلت فى الحكام الجدد من أتراك ومصريين ومن تبعهم وسار فى فلكهم من قبائل آنذاك.تلي ذلك انقطاع سيطرة هذه المجموعات الجديدة على ما بدأ يتكون من دولة جديدة بقيام الدولة المهدية وتوزعت السلطة بين مجموعات شتى كل حسب إسهامه فى تعضيد ثورة المهدي فكان لمجموعة قبائل رفاعة دورها وحظها من ذلك. ما لبثت أن عادت الكرة فى السيطرة للحكام الجدد (البريطانيون وشركاؤهم المصريين) ومن خلفهم حلفاء الدولة التركية السالفة بانهيار الدولة المهدية.هؤلاء الحلفاء هم المتنفذون والمسيطرون الحقيقيين على شأن الدولة السودانية الحالية (عبر سلطة الجيش السوداني ) الذي عنى به البريطانيون وباختيار منتسبيه مستبعدين أعدائهم والمخالفين لهم من قبائل ومنها المجموعة الرفاعية.الصورة الماثلة اليوم:إن الناظر اليوم الى المسرح السياسي السوداني يلحظ أربعة قوى، ثلاثة منها ظلت تحكم وتتبادل السلطة بينها والرابعة (غير متجانسة) فى الظل لا اثر لها. والقوى الثلاث تتمثل فى بيتي أبناء المهدي وأبناء الميرغني أو ما يشاراليه في الأدب السياسي بالطائفية أما الطرف الثالث القوى فهو المؤسسة العسكرية متمثلة فى الجيش وقوى الأمن الأخرى والقوة الرابعة ما تبقى من أهل السودان موزعين على انتماءات شتى حزبية أو ايديلوجية (إسلاميون، يساريون...الخ) وجهوية عرقية أحيانا (أهل الجنوب، أهل الغرب، أهل جبال النوبة، أهل الشرق) تبقت مجموعة أهل وسط السودان ضمن المجموعة الرابعة موزعة فى انتمائها بين الطوائف السابقة لا تجمعها أصرة موحدة.لقد آن لهذه المجموعة أن تجد لنفسها دوراً فى إدارة أمر السودان أو على الأقل فى تدبر أمر نفسها حماية لبقائها ولمستقبل الأجيال القادمة. والكل تحزب لعرق أوجهة وسحب التشتت والتمزق تلوح فى سماء هذا الجسم الكبير المسمى السودان.-- يتبع --قال الشاعر :من عتمور أبحمد لود أبروفنحنا الطردنا سباعاعارفانا الأسود بنقدل معاها رفاعاناقتنا أم عُرٌف ما فيش ودمقنع ( اللص) باعاعبدالقادر ودحبوبة، ودجميل، ود التاي، ود أبجنمن كرمك يابوس لقيسان هيلنا نحنا رفاعاوأنشد ود الرضي شاعر العسيلات المشهور فيهم هذه الأبيات:نحنا أولاد عسيل الخاتي الذبابة عسلناالسم شِربنا والدابي في عُبتنا (طرف التوب)وفاطنا الزهرا حبوبتنايوم دقو النحاس الليلة يوم حوبتنانحنا الصالحين شربوا عقاب كوبتنا( إناء الشرب)وأنشدت شاعرتهم ستنا بت عجيب المانجلك أغنية الحقيبة الذائعة الصيت والتي يقول مطلعها:الوافر ضراعو أمنتو الرسول مامون الوداعة خمد نار أبوهما أن يذكر اسم مملكة سنار أو الفونج حتى يتداعى للأذهان أسم رجل فذ من رجالاتها المؤسسين، ذاك هو الشيخ عبد الله القرين المسمى في التاريخ بعبد الله جماع من فخذ العبدلاب وهو بطن من عرب القواسمة من قبيلة رفاعة صاحبة المناقب والفضل في تأسيس تلك المملكة فقد استعان عبدالله بجمع من عرب رفاعة القاطنين على طول النيل الأزرق حينها، حتى سُمي بالبحر الرفاعي، في القضاء متحالفاً مع ملوك الفونج جنوباً على مملكة علوة المسيحية وتخريب عاصمتها سوبا عام 1504م.من خلال قراءات متعددة وجدت من يشير للمجموعة الرفاعية ونسبتها لقبيلة جهينة العربية، والثابت عندنا بالنسب الموثق " الناس مصدقون في أنسابهم "، يمكن الرجوع لتفاصيل ذلك بالأنساب الموجودة بالموقع أوغيره، رجوع المجموعة الرفاعية للعترة الشريفة ، نعم هنالك في الجزيرة العربية رفاعة جهينة ويوجد أيضاً رفاعة الأشراف وكلهم متجاور في غرب المملكة العربية السعودية موطناً بمناطق ينبع البحر والنخل والعيص وغيرها شمال غرب المدينة المنورة حتى ساحل البحر الأحمر.عند صدور كتاب شجرة نسب الحلاوين عام 1965م، تسأل البعض عن صدق النسب للعترة الشريفة وقام ذات الإشكال حول الرجوع الى رفاعة الأشراف أم رفاعة جهينة، سألت من شيخ من شيوخ الحلاوين الموثوقين عن ذلك، فأجاب بصحة النسب للعترة الشريفة وأكد أن السيد رافع الكبيربن السيد الحسين مسمى لجده من أمه وهو رافع الجهني ومن هنا كان الأشتباه بين القبيلتين.هذا استطراد خارج النص كما يقولون.بعض أبيات من الشعر من طرف الأخ أحمد عبد الملك ( الرفاعي الأصيل) ريثما أعود بتفاصيل عن رفاعة الكبرى رحلتها ومواطنها بالسودان الوسيط ..نحنا رفاعة نحنا قلوبنا للزول الضعيف بتراعينحنا المابنخاف غير الكريم الراعيبهدي سلامي لكل القبيلتو رفاعيبهديكم سلامي بالجملة والقطاعي...ويضيف نحنا رفاعة وارثين الكرم حافظين عهودو تمامنحن صغيرنا في العز والكرم قدامالخاوانا يبشر بالسعادة دواموالعادنا غرقان في بحر مابقطعو العواممزيد من الإضاءة على رفاعة ..قبيلة رفاعة صاحبة الإسم والتي أشار اليها عون الشريف بطن من جهينة ويُرجِع لها بعض المصادر مجموعة قبائل رفاعة بالسودان الوسيط (أي مجموعة قبائلنا كما نسميها).واسم رفاعة اسم علم تكرر وروده عند العرب عبر التاريخ فمثلاً :- رفاعة بطن من زيد بن حزام بن جذام من قحطان- رفاعة قبيلة من سليم بن منصور من قيس عيلان من عدنان- رفاعة بطن من عامر بن صعصعة من عدنان - رفاعة بطن من نهد من قحطان - الرفاعي انتساباً للسيد أحمد الرفاعي الصوفي المشهور بمصرالقائمة تطول وهم بهذه المسميات موجودون في جميع دول العالم الإسلامي ومنها السودان، مصر، المغرب، الإمارات ، الكويت، ليبيا .. المعلومات أعلاه منقولة من موقع جهينة بالشبكة المعلوماتية ..نعود للسادةالأشراف آل بيت النبوة الكريم فأقول إن الإسم رفاعة لدى قبائل السودان يرجع للسيد رافع بن السيد عامر كما ورد بالنسب المثبت لدينا تماماً كالعادة التي جرت عليها العرب. إن إدعاء الرفاعيون بالسودان الإنتساب للأرومة الشريفة تسنده حجج كثيرة أولها أن من عادة العرب الراسخة الإهتمام بالنسب وتدوينه وهذه الصلة جاءت الينا متسلسلة كابر عن كابر لا نشك فيها ( الناس مصدقون في أنسابهم .. حديث شريف).ثانيها ثبوت مصاهرة أهل بيت الرسول الكريم (ص) سيدنا علي بن أبي طالب وأبناؤه لرفاعة المنتمية لقبيلة جهينة بالمنطقة الغربية للمملكة العربية السعودية (منطقة ينبع) وتجد حتى اليوم كثير من أسر الأشراف بهذه المنطقة فالإرتباط بين آل بيت النبوة ورفاعة جهينة قديم، فهم خوؤلتهم وتجد شبيه ذلك فيما ورد بالأنساب لدى السادة العركيين والعبدلاب وغيرهم من رفاعة السودان حيث ذكروا أن السيد عامر والد السيد رافع بعد نزوحه من موطنه بالجزيرة العربية استقر به المقام وأخوه السيد عمران بصعيد مصر وهنالك تزوج فاطمة بنت عبد الله الجهني ومنها جاء رافع الجد الأكبر الذي تنتسب اليه مجموعة قبائل رفاعة بالسودان وهؤلاء مايعرف برفاعة الأشراف وقد كانوا في معية أخوالهم من رفاعة جهينة آبان نزوحهم للسودان من مصر، وجهينة ببطونها المختلفة تمثل الثقل الأكبر للقبائل العربية التي توطنت بالديار السودانية منذ عهود طويلة وعل ذلك ماسبب التداخل والتشابه.تسلسل النسب الذي أورده عون الشريف بكتابه منقول بالمسطرة من كتاب نسب الحلاوين ( راجعه بموقع الحلاويين) فلا أدري لماذا قرر بأن رفاعة المعنية بالسودان من جهينة دون ذكر التفاصيل .. رحمه الله ..الراجح من الرويات بطرفي عن السادة الرفاعيين الأشراف هي في نزوح السيدان عامر وأخوه عمران أبناء السيد الحسين من الحجاز الى صعيد مصر حيث استقربهما المقام بناحية دراو شمال مدينة أسوان.هنالك تجاوروا وبطون كثيرة من جهينة العربية وقد تزوج السيد عامر فاطمة بنت عبد الله الجهني وأنجب منها أولاده رافع وأحمد وحمد الاغليط.أقام السيدان عامر وعمران بدراو حتى وفاتها وبها دفنا ولهما قبة ومزار معروف هناك حتى الآن.

أبناء السيد عامر بن السيد الحسين هم رافع جد الرفاعيين وحمد الاغيلط جد الغلاطين بالدندر والمفازة وأحمد الأدهم الذي أنجب تسعة أولاد هم :1- محمد أبو لحية جد اللحويين بمنطقة البطانة ريفي تمبول .2- عامر جد العوامرة ريفي الربع ومن أشهرهم آل الشيخ الصابونابي جنوب سنجة .3- زمل جد الزملات ومن أشهرهم سكان ود الأمين ريفي المحيريبا .4- زميل جد الزميلاب ريفي أروما بمحافظة كسلا .5- زبيل جد الزبيلات بالغرب .6- عريق جد العريقات بالغرب .7- الأجل جد الاجلة بالغرب .8- قريب جد الغربان .9- مزن جد المزنين .أما السيد رافع بن السيد عامر فقد أنجب ثلاثة أولاد وهم :حمد، محمد وأحمد ولم يتركا ذرية.بعد وفاة والده وعمه نزح السيد رافع واولاده واخوانه ومعهم عربان جهينة وهم رعاة ماشية من بلدة دراو من حتى وصلوا العتمور بشمال السودان ونزلوا به وهناك توفي زعيم القبيلة الوافدة السيد رافع أبوحمد ودفن بالموقع المسمى ابوحمد واليه ينسب تسمية العتمور " الصحراء بين مصر والسودان " واصل ابنه حمد واولاده العشربن واهله الذين جاءوا في الرحلة سيرهم حتى وصلوا اواسط السودان وسكن بعضهم على ضفاف النيل الازرق وفي رواية تخلف حلو بن حمد بن رافع من هذه الرحلة التي يقودها والده حمد ونزل غابة ام سوتيب وسكنها وهي التي تقع الان بين قنب وابوفروع (شمال الحصاحيصا على ضفاف النيل الازرق) وحلو هذا من ضمن العشرين ولدا الذين جاءوا في هذه الرحلة من صعيد مصر مع والدهم المذكور وفي رواية اما السيد هلال أخو حلو الأصغر تخلف ايضا من هذه الرحلة ونزل في المنطقة التي توجد بها مدينة الهلالية اليوم وسكنها اما اخوهم علي أبشقر (نسبة لشقرة فرسه) من ضمن العشرين ولدا ايضا تخلف ونزل في المنطقة التي توجد بها قرية البشاقرة الشرقية وقبره ظاهر بالبشاقرة الشرقية كذلك كان ضمن العشرين ولد الحسن المعارك المنسوبة اليه العركيين وباقي القوم وصلوا مكان يقرب من سنار وهذه الرواية ذكرها التيجاني عامر في كتابه فرسان ودراويش اما اولاد عبد الله الجهني ويمثلون جهينة منهم من هاجر الى غرب السودان وصاروا رعاة ماشية وهم الاجداد الذين تنتسب اليهم القبائل الحالية 1/الدار حامد (وتشمل البزعة والمصابيح والنواهيه) 2/الرواشدة 3/ المسيرية 4/ الرزيقات 5/ التعايشة 6/ الهبانية ومنهم من هاجر الى منطقة اخرى هم الاجداد الذين الذين تنتسب اليهم قبيلتي الضباينة والمعاشرة بالبطانة . وكان دخولهم في القرن الخامس عشر الميلادي اي مايقارب الف واربعمائة وثلاثون (1430م).توزع أبناء السيد رافع على امتداد حوض النيل الأزرق وبطن الجزيرة، الأرض الواقعة بين النيلين الأبيض و الأزرق والذي اشتهر قديماً باسم البحر الرفاعي كما ذكر في غير مكان بالموقع.سأتبع ماورد بكتيب شجرة نسب الحلاوين في التوزيع الجغرافي للمجموعات الرفاعية بالسودان الوسيط مركز تواجدهم وموطنهم منذ دخولهم السودان.المناطق المذكورة تمثل مراكز الثقل للمجموعات الرفاعية و ليست حصراً عليها مع مراعاة التداخل القبلي رغم غلبة الرفاعيين في المناطق المسماة. العبدلاب : يتركز تواجدهم من قري شمالاً وحلفاية الملوك والهلاليةالبشاقرة : الشمال الأقصى للجزيرة، ريفي المعيلق ومركزهم قرية البشاقرة.العسيلات : جنوب الخرطوم شرق وغرب النيل الأزرق من حواضرهم السديرات الشرقية والغربية.أولاد حجاج : حلة ودجميل بريفي المعيلق .الفراجين : قراهم بريفي المعيلق .الزنافلة : ريفي المعيلق وأشهرهم بقرية كلكول.الشبيلاب : ريقي المعيلق والمحيريبا أشهرهم عائلة الفكي الأمين بابي عشر وأبي فروع.الطوال : ريفي المعيلق أشهرهم عائلة جبارة بأبي عشر.الهلالية : ريفي الشكرية أم حواضرهم مدينة الهلالية.العوامرة : بريفي المعيلق والمحيريباالحلاوين : ريفي المحيريباالعركيين : ريفي الشكرية والمدينة عرب.المعاضيد : ريفي الشكرية مركزهم بالطلحة.القواسمة : ريفي الحوش جنوب مدني وشرق النيل الأزرق.الشبارقة : جنوب مدني وشرق النيل الأزرق.العقليين : لم أجد تحديد لمواقعهم بالكتيب.الظماليط : جنوب الجزيرة بود المطوري غرب جبل مويه.الكماتير : ريفي سنجة.حسن وحسين احفادهما : الروصيرص وابورماد وهم عائلة مالك ابوروف.رفاعة والدولة السنارية .. موعد مع التاريخ :لانكاد نسمع حديث عن دولة سنار أومملكة الفونج حتى يتبادر للذهن اسم سطر حضوره بأحرف من نور في بناء هذا الصرح الإسلامي العظيم، الذي مثل نواة مانتعارف على تسميته اليوم بالسودان الذي نتفيأ ظلاله كدولة تجمعنا وتعطينا معنى وجودنا، عبد الله جماع، وتفسير هذه التسمية بسبب قيامه بجمع القبائل " العربية " متحالفاً مع الفونج في اسقط مملكة علوة المسيحية وحاضرتها سوبا " عجوبة الخربت سوبا" لقيام هذه الدولة أو المملكة. فمن هو عبد جماع وماهي القبائل العربية التي جمعها تحت امرته لهذا الفعل العظيم ؟من هم العبدلاب نسبة " لعبد الله جماع " وماعلاقتهم بمجموعة قبائل رفاعة بالسودان ؟قول في نسب العبدلاب :كثر الحديث من جهات مختلفة عن نسبة العبدلاب لهذه القبيلة العربية بالسودان أو تلك لما مثله هذا الإسم في تاريخ بناء مملكة سنارمن دور حاسم وفي استمراريتها وبقائها حتى انهيارها تحت ضربات جيوش محمد علي باشا.الرواية الواردة في النسب تضع عبد الله القرين " جماع " ضمن العشرين ولداً من اولاد حمد بن رافع. ورواية أخرى مختلفة، عن بعض مشايخ العبدلاب، رواية مكتوبة في نسخة نسب العبدلاب بالعيلفون مع العم السيد النور العبدلابي، تقول هذه الرواية عن نسب العبدلاب أن جدهم محمد الباقر بن علي تزوج حسنة بنت عبدالله القرين بن حمد بن رافع وانجب منها عبدالله جماع جد العبدلاب فنسبهم حسب هذه الرواية يرتبط بالعترة الشريفة من جهة أخرى وهذا هو النسب المذكور نبدأه بجد العبدلاب وهو السيد عبدالله جماع بن السيد محمد الباقر بن السيد علي جبل بن السيد عبد الله بن بركات بن قاسم بن راتب بن شهوان بن صبيح بن ثعلب بن ذاكر بن سراج بن جاد النصر بن قيس بن نافع بن قايد بن عمر بن عمران بن عمران بن علي بن الحسين بن ابراهيم بن السيد علي التقي بن السيد الإمام محمد المهدي بن السيد حسن العسكري بن السيد الإمام علي الهادي بن السيد محمد الجواد بن الإمام علي الرضا وهو الجد الذي يجتمع فيه نسب والد عبدالله جماع مع نسب والدته . فالرفاعيون بحسب هذه الرواية خؤولة للعبدلاب أو أبناء عمومة حسب رواية النسب السابقة.دخول العرب للسودان ثابت متواتر قبل الإسلام والعلائق التجارية الوثيقة بين طرفي بحر القلزم " البحر الأحمر" كما عرفه العرب قديماً يكاد يكون من المسلمات.

كان فتح مصر على يد المسلمين علامة فارقة في هذه العلاقة حيث فتح الباب واسعاً لتنامي هذذه العلاقة وتطورها بزيادة تدفق العرب بكافة قبائلهم وأهمها التي كانت تقطن الساحل الغربي لجزيرة العرب من قبائل جهينة، وفزارة، وبلي.دام التواصل وتطور على المستوى التجاري والإجتماعي فقد حدث التداخل بالمصاهرة بين القادمين وأهل البلاد الأصليين من النوبة والبجة وغيرهم، ونشأ نتيجة هذا التواصل جيل جديد هجين، وبدأت ملامح ثقافة مختلفة في الظهور و الإنتشار مع تزايد أثر الدين الإسلامي في هذه المناطق التي شملت شمال ووسط وغرب السودان الحالي.أوردت هذه المقدمة لتأكيد أن قيام الدويلات الإسلامية شمال السودان بطول النيل وغربه وفي وسطه جاء تتويجا لهذه السنون المتطاولة منذ القرن الهجري الأول بداية دخول المسلمين وفتحهم للإقليم المصري شمالاً. لقد كان ظهور وقيام دولة الفونج أو سنار نتيجة طبيعية ومتوقعة تم وضع لبنتها الأخيرة فقط باسقاط مملكة علوة المسيحية وتخريب عاصمتها سوبا ولم يكن بدايتها كما هو راسخ في الأذهان.اذن تواجد قبائل رفاعة بمنطقة وسط السودان بامتدادتها بالجزيرة وحول النيل الأزرق ومصاهرتها للسكان الأصليين من النوبة والعنج وانتشار الدين الاسلامي والثقافة العربية لساناً وعادات أمر تم ببطء على فترات متطاولة. كان الأمير عبد الله القرين جد العبدلاب قائداً فذاً وزعيماً على عربان القواسمة أحد فخوذ المجموعة الرفاعية. كان كان فارساً وقائد الخيل وصاحب تدبير الحرب.كانت التركيبة الإجتماعية قد تغيرت كثيراً وأصبح التغيير السياسي أمراً لازماً فلم تبقى الا العاصمة سوبا مركزاً ورمزاً لمملكة علوة المسيحية .اجتمع لواء بطون رفاعة تحت إمرة القائد عبد الله القرين فالتقوا مع العنج والنوبة في حرب ضروس دامت أياماً تم لهم فيها النصر على خصومهم، فأصبحت علوه خراباً بلقع وقتل ملكها عفايق وهرب البطريك ديرين ببقية الجيش، ولكن ظلت العاصمة سوبا على عمارها وحالها ولم تمس كنائسها بسوء. أعاد البطريرك ديرين تنظيم صفوفه بعد مدة ورجع لتعمير سوبا مرة ثانية. فجمع له الأمير عبد الله مرة أخرى أبناء عمومته من بطون رفاعة واتصل بالملك عمارة دنقس بمنطقة جنوب النيل الأزرق طالباً المدد والعون على التخلص النهائي من سلطة علوة بسوبا على عهد تم توقيعه بينهما بتقاسم إدارة شئون الدولة التي ستقام، فسار الجيش المشترك الى سوبا والتقى بالبطريرك وجيشه وانتصروا عليه وقتل البطريرك وتم خراب سوبا المؤبد وهو الخراب الثاني بعد الأول. هكذا ظهرت المملكة السنارية النواة الصلبة الأولى لسودان اليوم وكان الرفاعيون فيها بناة ومؤسسين وشركاء أفذاذ.عرضت لتأريخ الرفاعيين وعملهم في بناء وتأسيس الدولة السنارية وأدوارهم اللاحقة في استمرارها حتى قدوم جيوش محمد على باشا، التي انهت وجودها وأنهت معه دورهم في ادارة الشأن السياسي بماتم تكوينه وعرف بالسودان لاحقاً.استمرت مشاركاتهم بصفة مختلفة خلال الثورة المهدية بمشاركة بطون منهم أشهرهم الحلاوين المحضن الأول للمهدية. بدخول الجيوش البريطانية والمصرية الغازية واحتلالها للسودان تلاشى كل أثرلهم في الشأن العام للدولة عدا ما جرى من تبني الإدارة الأهلية كرديف للإدارة الرسمية في الحكم.أين هم الآن بعد مضي خمسة عقود أو تزيد من خروج الغزاة ونيل الإستقلال .. كم مهمل .. متفرق كأن لم تكن لهم صولة وجولة في وطن هم حداته وبناته الأوائل. هل تبقى لهم من دور وقد اشتعل السودان من أطرافه وكثرت فتنه بما يهدد وجوده ووجودهم خاصة.لقد ناديت في بداية هذا الموضوع بضرورة جمع شتيت أهل السودان الوسيط وأخص منهم الرفاعيون فهم الأقرب لحمة والأسهل لإجابة داعي النفرة للوحدة حول واجب المحافظة على ما بنى أسلافهم قديماً، وبتحقق هذا التوحد يكون من الأسهل لم شمل البقية من قبائل وعناصر سكانية مختلفة بهذه المنطقة من السودان الأقرب فالأقرب حتى تتكامل القوة التي يمكنها الفعل والتأثير حماية ومحافظة على الوطن كما بدأوا بنائه أولاً.إن التجربة الصغيرة التي تمت على مستوى منطقة الحلاوين قابلة للتطوير لتحقيق الهدف أعلاه نستصحب في قادم الأيام النجاحات والإخفاقات في التجربة نحو بناء الكتلة الجديدة والتي نأمل منها أن تلعب دور التوازن الفاعل ضمن القوى الصاعدة في السودان نحو بناء سودان جديد جدير بكل أبنائها دون تغول من جهة أوفئات بعينها على ادارتها وتطوره.ماسبق كان محاولة للبحث عن بعض حقائق التاريخ، والتي لعبت السياسة دوراً كبيراً في تغيبها أو طمسها، خاصة وقد ندرت المصادر المدونة لهذا التاريخ الا من قليل يصعب الوصول اليه في اصداراته الأم " المخطوطات " مع ندرة في تحقيق هذا القليل، فجل ما لدينا يعتمد على التناقل الشفهي للمعلومة وما قد يجره ذلك من تغيير وتعديل حسب الناقل.غالب التاريخ المكتوب والمتوفر لدى العامة كتبه الرحالة الغربيين الذين زاروا المنطقة خلال فترات متفاوتة وخلال فترة تكون الدولة السنارية عدا القليل المتناثر بكتب الرحالة المسلمين.وكما قيل التاريخ يكتبه المنتصرون.

أنظروا الى المواد التي تدرس في تأريخ السودان الحديث، كم من المعلومات توفرت لدى المتلقي العادي عن رجل كعبد الله جماع أحد مؤسسي الدولة السنارية وفرعها المتطاول، أو خلفه الشيخ عجيب المانجلك وتاريخ باهر من هذه الأسر الكريمة في التأسيس لكلمة الإسلام وثقافته ومجده بالسودان..؟حقيت الاسم يا السالم الاربابدوبا حليل ابوى للعلوم دراسخراره العبوس دار الكمال ونقاضدوب ياحليل ابوى للعلوم دراستبكيك الجوامع اللنبنت ضانقيللى قراية العلم وكلمة التهليلدوبا حليل ابوى للعلوم دراسبتصادم المغارة خيولن يجن بالليلياود نيل البحور الجدك المانجيلتبكيك العيون بى أغزر الدماعالأربع قبل ازرق طويل الباعدوبا حليل ابوى للعلوم دراسهذا تاريخ يحتاج رجال ذوي عزم خالص لإستخلاصه وبثه بين الناس ليعلموا مجاهدات أسلافهم في بناء ما نتفيأ ظلاله من نعم وخير، وليعلموا الواجب عليهم تجاه المحافظة على الكنز الذي بذلت من أجله النفوس الغالية والمهج.وهو دعوة للوعي بالذات ومايترتب عليه من النهوض بعبء البناء اليوم، لا للخمول، والإسترخاء وتسليم الأمر للعاطلين عن المواهب، يقودوننا خبطة عشواء حتى فسد أمر الدولة وصارت الى التحلل والضياع.إن السودان يحتاج اليوم أكثر من ذي قبل أن ننهض جميعاً لنصرته ونجدته ومسح مسغبته وقد تكالبت عليه الخطوب وأحدقت به النوائب.للفائدة:صاحب قيام مملكة سنار وصول أول الفاتحين الأسبان لما سمي بالأراضي الجديدة " الأمريكتين " فانظروا للفرق بين الحالين الآن بعد انصرام مايزيد على خمسة قرون لتعلموا كم كان كبيراً الإخفاق والفشل كم هو ضخم .. فهل من مُتَدارَك ؟؟اذن فالرفاعة ببطونها المجد في التاريخ والسهم المعلى في البناء وهي الآن أشتات غير بينة وتوابع متفرقة ضعيفة الأثر .. فهل تقف عند هذا الحد .. وهل تقبل مثل هذه الحالة التي لاتشبه هذا الإرث العريق..؟؟ والسودان يعيش أيام ولحظات التحول الكبرى، وجب أن يكون الأباء المؤسسون حاضرون بثقلهم يخطون المسيرة لقادم الأيام في لحظات المخاض الصعبة .. لن يستطيع أي فرع من المجموعة منفرداً أن يتولى هذا الشأن بمعزلٍ عن بقية العقد من رفاعة الكبرى بفروعها وامتداتها الكثيرة .. فليكن الهدف الأولي تجميع وتوحيد هذه الأشتات تحت لواء يمكنها من الفعل الحقيقي المؤثر على مجريات الأمور في ادارة الشأن العام بالسودان وأن تصنع الأحداث تحت بصرهم وعلى أعينهم.أقول إن الإرادة لدى الرواد في كل عمل موجودة، وهنالك أعمال باشرها نفر كريم يعون مخاطر ما نمر به في السودان، وقد شمروا عن ساعد الجد لبداية هذا المشروع الكبير والبناء الضخم الذي نحسبه عند اكتماله أن يكون مرساة لإضطراب السفينة أن تميد حد الإنقلاب.وأن يكون صماماً لسودان موحد ومستقر ينعم فيه الجميع بحقهم غير منقوص.كلمة أخيرة :-أدعو من هنا كل من اطلع على ما كتبت في هذا الموضوع وهو مؤمن بالفكرة، كوسيلة ضرورية فرضتها ظروف الواقع الذي نعيشه في السودان، واستجابة لنداء الواجب تجاه الوطن وأهله جميعاً، أن يمد يده بسهم في انجاح هذا المشروع.وأقدم بعض المقترحات التي أراها مهمة للمساعدة في انجاز المهمة.- قيام كل فرع ببناء تنظيم يناسب حالته من حيث الموقع الجغرافي ومستوى التواصل.- انتخاب ممثلين من كل فرع، يمثلون جمعية عمومية للمجموعة منها يتم اختيار القيادات التي تتولى وضع الرؤيا الإستراتيجية للعمل على المستوى السياسي. هنالك مجالات متعددة تنتظر المختارين للقيام بها، منها على سبيل المثال لا الحصر:تحديد دور الممثلين داخل التظيمات والأحزاب السياسية الحالية، هل لهم أدوار مؤثرة أم لا والكيفية التي يجب طرقها لفعل ذلك. تنسيق المواقف، باختلاف التوجهات، داخل المجموعة حيال القضايا المصيرية للوطن.العمل على تثبيت الحقوق في معادلة قسمة السلطة والثروة التي كثر الحديث عنها والزام من نادوا بها بالبيان العملي عليها.
...................................................................................................................................
كتب الأخ الطيب مضوي شيقوق وهو قاسمي رفاعي :في العام 2004 تنادى وجهاء العبدلاب من كل حدب وصوب ليجتموا في حى شمبات الاراضي في ضيافة العم الخاتم عدلان اونسة وقد تشرفت بالمشاركة في ذلك الحدث الفريد.بالفعل اجتمعنا كان وفد رفاعيي الدندر ممثلا فيه الوزير ابن عمنا الدكتور امبلي العجب وشخصي كنا من اوائل الحضور . بعد قليل دخل علينا الاستاذ محمد يوسف محمد المحامي العملاق ثم السيد الامين دفع الله وزير الزراعة السابق ثم الوزير الدقيل الذى يعود اصله الى قرية دوبا المجاورة لريفي الدندر وبعد قليل اتانا الراحل المقيم عبد الماجد الاحمدى عميد الدبلوماسية السودانية . وبعد قليل استغربت عندما رايت الزعيم الوجيه سليمان بيتاي زعيم الهدندوة وخلاوى همشكوريب وهو قادم الينا بزهوه المباح بعد ان عاد من المعارضة لينضم الى وفد مفاوضات قضية الشرق . ثم دخل علينا ناظر المعاليا من كردفان وعلمت من خلال ما دار من نقاش طبيعة علاقة بيتاى وناظر المعاليا بالعبدلاب . ويقال ان احدى زوجات الشيخ عجيب المانجلك المدفون حاليا في قرية قري قد تزوج احد الهندندويات وانجب منها اسرة ناس بيتاي .المهم في الامر هو الجدل الذى ثار بيننا عندما وقفت انا محيي الحضور وكشفت لهم انني رفاعي قاسمي ( من قبيلة القواسمة) حينها نهض ممثل دائرة المفازة المهندس ود العماس وذكر لنا ان العبدلاب منحدرون من القواسمة وليس العكس . المهم قرر الجميع في النهاية التوجه لبنية الشيخ عجيب المانجلك وفعلا ذهبنا وشاهدنا بداخلها الكثير من المعالم الاثرية.

vbrep_register("44063")



هناك تعليق واحد:

Abdull يقول...

من كتاب ( تاريـخ وأصُول
العَرب بالسُّودان ) للكاتب :الفحل الفكي الطاهر
:-
كان عرب الحجاز واليمن يسمون السودان (بر العجم). وكان قدماء المصريين يسمونه (نوب) أو (نب)4 أي أرض الذهب5 ولذلك سمى سكانه بالنوبيين أي سكان بلاد الذهب. وأما لفظ "السودان" اسماً فأول من أعلنه خديوي مصر محمد علي باشا عام 1240 هجري في أوراقه الرسمية بعد الاحتلال التركي المصري سنة 1236 هجرية.

دخول جهينة وفزارة
سميت كل من القبيلتين العربيتين جهينة وفزارة باسم جدها الأول.
نسب جهينة
فقبيلة جهينة جدهم الذي إليه ينتمون هو جهينة بن زيد بن ليث بن أسلم بن الحاف بن قضاعة بن مازن بن حمير بن سبأ بن يعرب بن يشجب بن قحطان. وقحطان أبو اليمن كلها وإليه يرجع نسبها وقد افتخر بهذا النسب حسان بن ثابت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاعره بقوله:
نحن بنو الشيخ الهجان الأزهر قضاعة بن مالك بن حمير

نسب فزارة
هو فزارة بن شيبان بن محارب بن فهم بن عمرو بن قيس عيلان. وعيلان هو ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وعدنان هو جد النبي صلى الله عليه وسلم؛ ونسبه إلى الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
لقد كانت القبيلتان، جهينة القحطانية، وفزارة العدنانية، تسكنان من ينبع إلى حد القلزم. فلما جاء الإسلام التحق رجال القبيلتين بجيش الأمير عمرو بن العاص فاتح مصر والإسكندرية؛ فلما تم له الفتوح صدر له الأمر من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، بأن ينتخب أميراً ويرسل معه جيشاً إلى صعيد مصر.
وفي سنة 20 هجرية انتخب الأمير خالد بن الوليد أو خالد بن سعيد، ومعه جيش كبير، ففتح بلاد الفيوم والبهنسا، وقضى على شوكة الروم. ومن ثم توجه إلى أطراف بر العجم وبلاد نوب، أي السودان اليوم؛ فقوبل بالطاعة وقبول الإتاوة، أي الجزية من كل البجاة والنوبيين. ودخل البعض في الإسلام، كما ورد ذلك في الفتوحات للمقريزي والبهنساوي.
ولما رأى بنو جهينة وفزارة المراعي الخصبة والمياه العذبة، ارتحلوا بأموالهم ونسائهم وأولادهم عن طريق (المحواد) المعروف اليوم بقناة السويس؛ وكان طريقاً مسلوكاً، فنزلوا صعيد مصر، حيث الأراضي الخصبة والمياه العذبة.
وفي سنة 32 هجرية دخل الأمير عبد الله بن سعد بن أبي سرح بلاد النوبة بجيش كثيف، وتوغل داعياً للإسلام أو الجزية، ووصل دنقلا، فقابله ملوك النوبة بالطاعة وقبول الجزية. كما وفد إليه ملوك البجاة؛ ودخل البعض في الدين الإسلامي، فترك معهم من يفهم المسلمين شعائر الإسلام، وآخرين لجباية أموال الجزية. وشرع رجال من العرب في العمل في معادن الذهب؛ وأظنها معادن (جبيت). ووقَّع الأمير عبد الله بن سعد بن أبي سرح معاهدة مع كتري ملك البجاة، وأخرى مع ملك النوبة ديري بن فيعص.
وهذا نص جزء من المعاهدة اختصرته لطولها:
وفي العهد الإسلامي تتوفر لنا الوثائق فإن حاكم مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح قد سار على رأس جيش نحو بلاد النوبة، حتى وصل دنقلا العجوز، واستولى عليها. وكان لا يبغي فتحاً؛ لأن البلاد تحت طاعته، وإنما ليأمن شر البجاة والنوبة. وقد عقد مع المملكة المسيحية والنوبة معاهدة جاء فيها كما ورد في خطط المقريزي الجزء الأول صفحة 322:
{بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من الأمير عبد الله بن سعد بن أبي سرح لعظيم النوبة، وجميع أهل مملكته، من أرض أسوان إلى أرض علوة. جعل لهم أماناً وعليكم حفظ المسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم، لا تمنعوا عنه المسلمين. وعليكم كنسه وإسراجه} (إنارته). وهذا دليل على أن المسجد بنى في عهد الأمير خالد بن الوليد أو خالد بن سعيد في سنة 20 هجرية.
وقد حفظ النوبة العهد إلى حصول الفتنة بين أميري المؤمنين الأمين وأمير المؤمنين المأمون.
وقد ذكر المسعودي في مروج الذهب هذه المعاهدة بنص كامل، وأن البجاة والنوبة حفظوا المساجد، واستمروا يدفعون الجزية والزكاة ممن أسلم، حتى في أيام الفتن بين أميري المؤمنين.
نقض كانون بن عبد العزيز العهد
وفى سنة 73 هجرية وقعت الحرب في مكة بين الأمير السيد عبد الله ابن السيد الزبير ابن العوام، وقائد جيش الأمير عبد الملك بن مروان الحجاج ابن يوسف الثقفي، وكان بنو كاهل أنصار السيد عبد الله ابن الزبير. فلما قتل السيد عبد الله ارتحل بنو كاهل خوفاً من الحجاج إلى بر العجم (أي السودان) من طريق جدة إلى عيذاب وهى قرب حلايب اليوم. واختلطوا مع البجاة. والمؤرخ الرحالة ابن بطوطة وجدهم هناك سنة 133 هجرية.
والتحق ببر العجم، من طريق باب المندب المعروف بميناء جبوتي اليوم، الأمير سليمان ابن الأمير عمرو ابن أمير المؤمنين هشام ابن أمير المؤمنين عبد الملك الأموي والقرشي.
وفى سنة 216 هجرية نقض مكنون ابن عبد العزيز ملك البجاة، العهد, وذلك لما علم بالفتنة القائمة بين الأمير الأمين وأمير المؤمنين المأمون. ولما نقض الصلح كنون ملك البجاة، سار إلى أسوان بجيش يزيد على مائة ألف من البجاة والنوبة، ونهبوا قرى الصعيد صعيد مصر؛ فكتب والى مصر عبد الله ابن الجهم إلى أمير المؤمنين المأمون، فأذن له في القيام بحربهم، وأمده بما يلزم. فجاء إلى أسوان؛ ولما نظر ملك البجاة جيش أمير المؤمنين، خضع، والتزم برد جميع الخراج ورد المنهوبات. وأخذ بذلك الأمير عبد الله ابن الجهم عهداً. وهذا نصه، نقلاً عما نشر بحضارة السودان بالعدد سنة 1268 بتاريخ 8 ذو الحجة سنة 1352 هجرية موافق 24 مارس 1934 ميلادي. واتفق الأمير عبد الله ابن الجهم مع ملك النوبة والبجاة كنون ابن عبد العزيز وكتب عهداً جاء فيه: (كتب عبد الله ابن الجهم، مولى أمير المؤمنين، صاحب جيش الغزاة، عامل الأمير ابن أبى إسحاق، ابن أمير المؤمنين الرشيد أبقاه الله، في شهر ربيع الأول سنة 216 هجرية لملك البجة كنون ابن عبد العزيز عظيم البجة بأسوان، أنك طلبت مني، وسألتني أن أؤمنك، وأهل بلدك من البجة، وأعقد لك ولهم أماناً علىَّ وعلى جميع المسلمين، فأجبتك إلى أن عقدت لك علىَّ ، وعلى جميع المسلمين أماناً، ما استقمت، وما استقاموا على ما أعطيتني وشرطت لي هذا؛ وذلك أن يكون سهل بلدك وجبله، من أسوان في أرض مصر، إلى حد ما بينه دهلك وباضع (مصوع) ملكاً للمأمون عبد الله بن هارون الرشيد أمير المؤمنين، أعزه الله تعالى، وأنت وأهل بلدك عبيداً لأمير المؤمنين، إلا أن تكون في بلدك على ما أنت عليه من البجة، وعلى أن تؤدي الخراج إليه في كل عام، على ما كان عليه سلف البجة وذلك مائه من الإبل، أو ثلاثمائة دينار تدخل بيت المال. والخيار في ذلك لأمير المؤمنين وولاته. وليس لك أن تخزن عليها شيئا من الخراج. وعلى أن كل واحد منكم، إن ذكر اسم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتاب الله ودينه بما لا ينبغي أن يذكر به، أو قتل أحداً من المسلمين، حراً أو عبداً، فقد بريت منه ذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذمة أمير المؤمنين أعزه الله، وذمة جماعة المسلمين، وحل دمه كما يحل دم أهل الحرب وذراريهم. وعلى أن أحداً منكم، إن أعان المحاربين على أهل الإسلام بمال، أو دله على عورة من عورات المسلمين، وأثر لعزتهم، فقد نقض عهد الله وذمته، وحل دمه كما يحل دم أهل الحرب وذراريهم. وعلى أن أحداً منكم، إن قتل أحداً من المسلمين، أو أصاب لأحد من المسلمين، أو لأهل منهم، مالاً ببلاد البجة، أو ببلاد النوبة، أو في شيء من البلدان، براً أو بحراً، فعليه إن قتل المسلم، ديات. ومن قتل العبد المسلم، قيم المسلمون وأهل الذمة عشر أضعافه. وإن دخل أحد من المسلمين بلاد البجة، تاجراً أو مقيماً أو مجتازاً أو حاجاً، فهو آمن فيكم كأحدكم، حتى يخرج من بلادكم. ولا تؤاخذوا من أبقى المسلمون، وإن أتاكم آت فعليكم أن تردوه إلى المسلمين. وعليكم، أن تردوا أموال المسلمين إذا صارت في بلادكم، بكل مئونة تلزم في ذلك. وعليكم، إن نزلتم ريف صعيد مصر للتجارة، أو مجتازين، لا تظهروا سلاحاً، ولا تدخلوا المداين والقرى بحال، ولا تمنعوا أحداً من المسلمين الدخول في بلادكم، والتجارة فيها، براً وبحراً. ولا تخيفوا السبيل، ولا تقطعوا الطريق على أحد من المسلمين، ولا أهل الذمة. ولا تسرقوا المسلم. وعلى أن لا تهدموا المساجد التي بناها المسلمون، بصيحة، وهقر، وساير بلادكم طولاً وعرضاً، فإن فعلتم ذلك فلا عهد لكم ولا ذمة. وعلى أن كنون بن عبد العزيز يقيم بريف صعيد مصر، كي يقي المسلمين من دم ومال. وعلى أن أحداً من البجة لا يعترض حد القصر، إلى قرية يقال لها "قبان" من بلاد النوبة حداً عقد عبد الله بن الجهم مولى أمير المؤمنين، إلى كنون بن عبد العزيز كبير البجة الأمان على ما سمينا وشرطنا في كتابنا هذا، وعلى أن يوافى به أمير المؤمنين؛ فإن زاغ كنون، أو عاث، فلا عهد له ولا ذمة. وعلى كنون أن يدخل على أمير المؤمنين بلاد البجة، لقبض صدقات من أسلم من البجة.
وعلى كنون الوفاء بما شرط لعبد الله بن الجهم، وأخذ بذلك عهد الله عليه، بأعظم ما أخذ على خلقه من الوفاء والميثاق. ولكنون بن عبد العزيز ولجميع البجة، عهد الله وميثاقه، وذمة أمير المؤمنين، وذمة أبي إسحاق بن أمير المؤمنين الرشيد؛ وذمة عبد الله بن الجهم. وأن يعرف كنون بن عبد العزيز بجميع ما شرط عليه، بأن غَيَّرَ كنون بن عبد العزيز، أو بدل أحد من البجة، فذمة الله جل اسمه، وذمة أمير المؤمنين، وذمة الأمير أبي إسحاق ابن أمير المؤمنين الرشيد، وذمة عبد الله بن الجهم، وذمة المسلمين بريئة منهم.
ترجم ما في هذا الكتاب حرفاً حرفاً، زكريا بن صالح المخزومي، من سكان جدة، وعبد الله بن إسماعيل القرشي.
هذا ما ذكره المؤرخ ابن الأثير في حوادث سنة واحد وعشرين. فأقام البجة بتنفيذ هذه المعاهدة تقريباً، مدة واحد وعشرين سنة، ثم نقضوا العهد في خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله العباسي؛ وقتلوا بعضاً من آخذي الزكاة وجباة الجزية؛ وقتلوا من يعمل في معادن الذهب، وأظنها معادن جبيت.
وإليك ما نقله المؤرخ ابن الأثير عن حوادث سنة 241 هجرية.

ذكر غارات البجة بمصر
ذكر المؤرخ ابن الأثير في حوادث سنة 241 هجرية قال نقض النوبة والبجة العهد وقتلوا الأمراء عمال الخراج وعمال المعادن. وإليك ما نقله بالحرف سنة 241هجرية: (ذكر غارات البجاة وفيها غارات البجاة على أرض مصر، وكانت قبل ذلك لا تغزو بلاد الإسلام لهدنة قديمة، وقد ذكرناها فيما مضى. وفي بلادهم معادن يقاسمون المسلمين، ويؤدون إلى عمال مصر نحو الخمس، فلما كان أيام المتوكل امتنعت البجاة عن أداء ذلك، فكتب صاحب البريد بمصر بخبرهم، وأنهم قتلوا عدداً من المسلمين ممن يعمل في المعادن، فهرب المسلمون منها خوفاً على أنفسهم، فأنكر المتوكل ذلك، وشاور في أمرهم فذكر له أنهم أهل بادية أصحاب إبل وماشية، وأن الوصول إلى بلادهم صعب. وبين أرض الإسلام وبينها مسيرة شهر، في جبال وعرة وقفار، وأن كل من يدخلها من الجيوش يحتاج أن يتزود لمدة يتوهم أن يقيمها، إلى أن يخرج إلى بلاد الإسلام. فإن جاوز تلك المدة هلك، وأخذتهم البجاة باليد. وأن أرضهم لا تدر على سلطان شيئاً. فأمسك المتوكل عنهم فطمعوا، وزاد على أنفسهم منهم، فولى المتوكل محمد بن عبد الله القمي محاربتهم وولاه معونة تلك الكورة، وهى قفطا، والى الأقصر وإسنا وارفت وأسوان، وأمر بمحاربة البجاة، وكتب إلى عنبسة بن إسحاق الضبي عامل حرب مصر بإزاحة علته، وأعطاه من الجند ما يحتاج إليه. ففعل وسار محمد إلى أرض البجاة، وتبعه من يعمل في المعادن والمتطوعة عالم كثير. فبلغ عددهم نحواً من عشرين ألف فارس وراجل.